إن مساجدنا ضرورة دينية ومسئولية إيمانية، وهي ما زالت – ولا تزال – بإذن الله تعالى بريق أملنا في حياتنا للحفاظ على ديننا وإيماننا، فإذا زال هذا البريق زال هذا الأمل إلى حد كبير. لذلك كان أول عمل قام به خير البشر نبينا محمد ﷺ بعد هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة – زادها الله تعالى شرفا وتعظيما – هو تأسيس وإنشاء المسجد : أولًا في “قباء”، وثانيا في المدينة المنورة . وعلى هذا درج المسلمون ، فكانوا – أينما ساروا وحلوا – يبنون هناك مساجدهم صغيرةً أو كبيرةً على حسب ما تدعو حاجتُهم إليها ، عملًا بما قال الله جل وعلا : إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (سورة التوبة) ، وتنفيذا لقول حبيب رب العالمين ﷺ : أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها (رواه مسلم)
لا شك أن المسجد كان العمودَ الفقري في المجتمع المسلم ، والعنصرَ المهم الذي يدور حوله المجتمع ، وإلى ذلك تشير فكرة التخطيط العمري العمراني الاستراتيجي للكوفة، حيث أمر ببناء المدينة يؤدي كل زقاق من أزقتها إلى المسجد الجامع (تاريخ ملت 1/ 239).
إن المسلمين يفضِّلُون العيشَ بجوار المساجِدِ أينما كانوا من خريطة الأرض، وإن أطفالهم يكبرون ويشبُّون وهم يختلفون إليها، حتى إن قصص بعض المسلمين في شغفهم بمساجدهم المحلية لا تزال موضعَ إعجاب ، إذن فلا يكون من المغالاة القولُ بأن المسجد قطبٌ يدور حولَه رحى الأمة المسلمة . ويشهد التاريخ بأن المساجد لم تزل محروسةً ما دامت عامرةً ، وأن المسلمين كلما قصّروا في حقوقها سُلِبوا هذه النعمةَ
ومما يُقطِّعُ نياطَ القلب أن قد حُوِّلَتْ المساجدُ في أسبانيا وأوزبكستان وروسيا إلى كنائس ومواخير وإصطبلاتٍ. صاننا الله من مثل هذه البلايا . وإن استهداف المساجد في الهند وباكستان والصين وكوسوفو ينمُّ عن أنها محدقِةٌ بها المخاطرُ ، وأن المؤامرات لا تفتأ تُحاكُ لهدمِها عن تعمد وقصد
إن حل هذه المشكلة يرجع إلى إصلاح الأحوال الشخصية ، ولا شك أن كثيرًا من المسلمين انقطعوا عن المساجد في السنتين الماضيتين ، وقد هجرها كثير منهم حَذَرَ الوباء، وإن المسجد لَبُقْعةٌ تتنزل عليها رحماتُ الله . قال الشيخ المقرئ محمد صديق الباندوي رحمه الله عندَ زيارته لإفريقيا الجنوبية: « إن كنتم تحبون أن تصونوا إيمانَ أولادكم فصِلُوْهُمْ بالمساجد ». فإن صلتنا بالمساجد ومواظبتنا على حضورها تكشفان عما تكنه صدورنا . فيجب علينا أن نتوب إلى الله عن جميع ما نرتكبه من صغائر الذنوب وكبائرها . ويجب على رجالنا أن يعتزموا حضورَ المساجد لكل صلاةٍ ، وعلى نسائنا أن يُقِمْنَ في بيوتهن كلَّ صلاةٍ في ميقاتها ، ذلك خيرٌ لهن وأدعٰى إلى مضاعفة أجورهن ، كما جاء في الأحاديثنسأل اللهَ السلامةَ والعافيةَ لمساجدِ المسلمين ولمعاهدهم الدينية . وأن يصون جميعَ مساجد الأرض ، وأن يحفظ قلوبنا ، ويربطنا بالمساجد . آمين
. وصلى الله على النبي الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين
رجب ١٤٤٣ / فبراير ٢٠٢٢
Arabic Article masjid